أنسنة الخطاب التسويقي

من قال أن العلامة التجارية يجب أن تكون رسمية، جامدة، تتكلم بعبارات مصقولة وموزونة؟

٢ شعبان ١٤٤٦ هـ

بناء العلامات التجارية

من قال أن العلامة التجارية يجب أن تكون رسمية، جامدة، تتكلم بعبارات مصقولة وموزونة؟ من قرر أن الشركات ليس لها صوت إنساني؟ من علّمنا إن التسويق يجب أن يعمل على عقل العميل، ويتجاهل قلبه؟

الناس ما تحب تتعامل مع كيانات، تحب تتعامل مع بشر.

في وسط زحمة الإعلانات والنماذج والتصاميم والصيحات، كان سؤالي البسيط هو: ليه ما نخلي البراند يتصرف وكأنه إنسان؟ يتكلم، يحس، يخطئ، يعتذر، يضحك؟ ليه ما نعطيه روح؟

طرحت الفكرة على براند كنت أشتغل معه. كانوا يبيعون منتج استهلاكي بسيط، لكنه مهم. قلت لهم خلونا نجرب شيء مختلف: ما نعلن عن المنتج، نعلن عن إحساسه. ما نكتب مواصفات، نكتب قصة, وبدال ما ننشر صور جامدة مافيها شيء حي، خلونا نتكلم كإنسان، خلونا نغلط قدام الناس ونحسسهم اننا مثلنا مثلهم.

ردّهم؟ تحفظ. بعضهم قال: "ما أحد يسوي كذا"، والبعض الآخر قال: "بنخسر مصداقيتنا". قلت: طيب، خلوني أجرب بنفسي. طلعت بوجهي على حسابهم. كاميرا، منتج، كلمة بسيطة من القلب، بدون نص. حكيت ليه المنتج هذا يعنيني، وليه ممكن يعني لك.

النتيجة؟ مبيعات ضخمة. لكن رد فعل الفريق؟ فاتر. ما اقتنعوا بالفكرة، وشافوها لحظة وتمر. استمروا بأسلوبهم القديم.

مرت سنتين. نفس السوق، نفس الفئة المستهدفة، ونفس نوع المنتج… بس هالمرة، منافس مباشر لهم قرر يتكلم. قرر يعطي منتجه صوت. استمر، وثبّت النبرة، وحوّل المتابعين من مجرد مشاهدين، إلى ناس ينتظرون بوست جديد.

والنتيجة؟ نجاح مبهر. وذاك البراند اللي كنت أشتغل معه؟ للحين يحاول يلحق الركب.

الناس تبغى تشعر إنك تفهمها. تبغى تسمع صوتك كأنك صديق. الخطاب البشري ما يعني عدم الاحتراف، بل يعني عمق. يعني إنك ما تتكلم من برج عاجي، بل تنزل وتجلس مع جمهورك على الأرض.

الدرس باختصار: أنسِنة الخطاب التسويقي مو موضة. هي قناعة. إذا ما عطيت صوتك دفء، راح يضيع وسط صدى الإعلانات الفارغة. خل علامتك تتكلم، تبكي، تضحك… وتعيش. وقتها، بيحبّونها الناس، مو بس يشترون منها.