البناء الثقافي للعلامات التجارية

من أين تُبنى العلامات التجارية العظيمة؟ من شعار مبهر؟ من فيديو دعائي متقن؟ من تغليف يسرق الانتباه؟

١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ

بناء العلامات التجارية

من أين تُبنى العلامات التجارية العظيمة؟ من شعار مبهر؟ من فيديو دعائي متقن؟ من تغليف يسرق الانتباه؟
لا.
العلامة العظيمة تبدأ من الداخل… من موظف، من شعور، من ثقافة.

في هذا المقال سأكون في أقصى درجات الصراحة: الكثير من الشركات تعتبر الهوية مجرد لون وخط وشعار. بعضها يستخسر دفع بضع عشراتٍ من الريالات ليخرج بنتيجة مبتذلة "تمشي الحال" والبعض الآخر يدفع آلافاً مألفة لينتج الهوية الأجمل على الإطلاق، ولكن ماذا عن الداخل؟ مفكك، مهترئ، وبارد. والموظف لا يدري ما تهدف إليه شركته وما تمثّله، أو الأسوأ… لا يهتم بأن يعرف.
مالفائدة شعارٍ يلمع ويضيء، ولكن ضوئه يعكس احتراقاً داخلياً ؟

١. كل شيء يبدأ من الداخل

في أحد المشاريع عملت مع شركة تمر بمرحلة ركود: الإنتاجية ضعيفة، الجودة منخفضة، والعملاء بدأو بملاحظة ذلك. ومن خلال العمل لبضعة أيام علمت السبب، الفريق تائه، ولا توجد روح تجمعه. كل موظف يعمل كأنه جزيرة للوحدها لا يعلم أحدٌ ما بداخلها إلا من يسكنها فقط، لا توجد قصة تربطهم، لا توجد هوية تحتضنهم.

يجب أن تعلم عزيزي القائد أن العلامة التجارية لا تولد من قسم التسويق أو التصميم. بل تتولد من صناعتك أنت لبيئة وثقافة ورؤية وقيم وغايات تعطي كل موظف إحساس بأنه شريك في الرؤية وليس مجرد أداة تنفيذ.

٢. الشعور أولًا…

العلامة القوية لا تقتصر على ما تراه أعيننا، بل على ما تشعر به قلبونا مع كل اتصال. من طريقة الكتابة والإعلان، من أسلوب رد الموظف وهيئته، من تفاصيل تغليف المنتجات، بل من تصميم المنتجات بحد ذاتها.

لنأخذ "كالو" كمثال: شركة بحرينية تقدم وجبات صحية، لكنها في الحقيقة تقدم تجربة. تجربة ممتلئة بالاحترام، والمرونة، والوضوح. وهذا لأن الفريق يعيش على المبادئ التي سطرها العلامة التجارية، والعميل يشعر بذلك دون أن يشرح له أحد.

٣. ثمانية…رحلة أعمق من المحتوى

شركة ثمانية نموذج للعلامة التجارية التي تبني من الداخل. لم يظهرو المثاليات الفارغة ولم يختبئو خلف قناع الأنظمة البالية… بل قالوا نحن فريق محترف، بهوية واضحة: استقلالية، نزاهة، شغف، وبساطة.
كل شخص هناك في ثمانية يعرف دوره وسبب وجوده بل والأكثر من ذلك "يعرف تأثيره". هو لا ينفذ فقط… بل يعرف الأهداف والنظرة والرؤىة لكل مشروع يعمل عليه، يشعر بالمسؤولية والإلتزام تجاه الرؤية السامية التي هو جزء منها ويقع على عاتقه تحقيقها. والنتيجة؟ محتوى عربي قيم ومنتجات تنبض بروح واحدة ولها رسالة أعمق من مجرد الاستهلاك.

٤. الثقافة لا تنسخ

عندما تبني ثقافة علامتك التجارية من الداخل، تصبح المثال الذي يدرسه الغير ويقتدي به. صحيح أن المنافس سيحاول التقليد… ولكنه لن يستطيع مهما حاول جاهداً استنساخ المكانة والمشاعر والعمق الذي تتحرك به علامتك التجارية في السوق. التصميم من الممكن أن ينسخ نعم، لكن الثقافة راسخة وتبقى ما بقي الدهر كله.

الدرس باختصار:

العلامة التجارية القوية لا تبدأ من إعلان جذاب ولا من منتج قوي، بل تبدأ من إحساس داخلي وثقافة. تبدأ من موظف يعرف القصة ويرى أنه جزءٌ منها. فقبل أن تبدأ رحلة البحث عن الشعار، سل نفسك: هل رؤيتك وقيمك محفورة في سلوك فريقك؟