الفصل الأخير: الاستقالة
هل الصعود لأعلى دائماً هو الخيار الصحيح ؟ وهل كل ترقية تعتبر خطوة للأمام ؟
٩ شوال ١٤٤٦ هـ
•
فصول من حياتي

هل يُمكن أن تكون الترقية أحيانًا بداية النهاية؟ وهل كل خطوة إلى الأعلى تعني أنك في الاتجاه الصحيح؟
في عالم الشركات، يُروّج دومًا لفكرة أن النجاح هو أن تصعد السلم الوظيفي بأسرع ما يمكن، لكن قليل اللي يسألون: هل هذا السلم أصلاً على الجدار الصحيح؟
خلّني أرجع سنة ونيّف ورا: كنت أشتغل في شركة تسويق تقليدية. الشغل كثير، العملاء متطلبين، والروتين يقتل أي محاولة إبداع. كنت أحاول أغير، أضيف، أبتكر… لكن دايم فيه مقاومة. ما فيه روح، ما فيه قيم واضحة، ما فيه رؤية تلهم.
ومع هذا، اجتهدت. خلال سنة صرت مدير مشاريع. ترقية شكلها كبيرة، بس طعمها؟ باهت. صرت أمسك ملفات أكثر، أتكلم مع عملاء أكثر، أوقّع على شغل أكثر… بس قلبي ما هو معاي. كنت أشتغل، بس ما أحس إني أحقق أثر. كنت أنجز، بس أحس إن إنجازي يتبخر وسط بيروقراطية باهتة.
وهنا جاء القرار اللي كان مؤلم… لكنه كان لازم. قدّمت استقالتي.
ما كانت استقالة من راتب، كانت استقالة من بيئة ما تشبهني. من سقف منخفض، من فكر ضيّق، من روتين يقتل الطموح.
خرجت وأنا ما أعرف وش الجاي، لكن أعرف بالضبط وش ما أبغى. ما أبغى أكون جزء من منظومة ما تآمن بالإبداع. ما أبغى أكون مسؤول عن مشاريع ما أقدر أفتخر فيها. ما أبغى أشتغل في مكان ما يسمع، بس يطلب.
اليوم؟ أنا في تحدي جديد. تحدي أكبر من لقب وظيفي. تحدي إني أكون في مكان يوافق رؤيتي، يحترم قيمي، ويخليني أشتغل من قلبي.
الدرس باختصار: مو كل صعود يعتبر إنجاز، ومو كل منصب يعني نجاح. أحيانًا، أعظم خطوة في مسيرتك… تكون خطوة للخلف. مو هروب، بل استعداد للقفز في الاتجاه الصحيح.