خلك بارد
لماذا أصبحنا نتحرك بسرعة، ونمل بسرعة، ونفقد تركيزنا حتى قبل أن نبدأ؟ مالذي جعل الانتظار صفةً سلبية؟ وأن يصبح الهدوء نقيصة؟ ولماذا نعيش كأن كل شيء يجب أن يتم الآن والآن فقط ؟، ودون لحظة تأمّل؟
١ رمضان ١٤٤٦ هـ

لماذا أصبحنا نتحرك بسرعة، ونمل بسرعة، ونفقد تركيزنا حتى قبل أن نبدأ؟ مالذي جعل الانتظار صفةً سلبية؟ وأن يصبح الهدوء نقيصة؟ ولماذا نعيش كأن كل شيء يجب أن يتم الآن والآن فقط ؟، ودون لحظة تأمّل؟
بقولك شيء، ويمكن ما يعجبك بالبداية: اللي يركض دايم، مو لازم يوصل. وأحيانًا، اللي يتباطأ… هو اللي يستمر.
أنا شخصيًا كنت من جمهور السرعة. أبدأ بحماس، أتحمّس للفكرة، أخطط، أرتّب… وبعد أسبوع؟ أتركها. ليش؟ لأني أبي نتائج سريعة. أبي أحس بالتغيير فورًا، وبالإنجاز من أول محاولة. والواقع؟ ما يصير كذا.
إلين يوم قرأت عن نظرية "التباطؤ" ويمكن هالاسم يكون من كيسي بيديا دوت كوم لاني نسيت عنوان المقال، فكرة بسيطة لكنها تصفعك: عاند نفسك، وخلّك بطيء عمدًا. جربت.
قررت أبطئ مشيي. أبطئ سواقتي. آكل على مهل. أكتب من دون استعجال. أشتغل وكأني أمتّع نفسي بالشغل، مو أهرب منه.
وش صار؟
بدأ تركيزي يتحسّن. عقلي صار أصفى. صرت ألاحظ تفاصيل صغيرة ما كنت أشوفها. وصرت ألتزم. مو لأن عندي دافع أكبر، بل لأن ما عاد فيه استعجال يحرقني.
اللي يشتغل بسرعة، يتعب بسرعة. واللي يتعب بسرعة، يترك.
وهذا اللي صاير معنا. صارت السرعة نمط، والتشتت عادة، والانشغال وسام. بس وش عن التركيز؟ وش عن الاستمرارية؟ وش عن المتعة اللي تجي من التعمّق؟
اليوم أقدر أقول بثقة: التباطؤ مو ضعف. هو فن. فن إنك تختار تعيش بتفاصيلك وتنتبه لجمالها، مو تستهلكها. فن إنك تركز، حتى لو كل الناس مشت بسرعة.
الدرس باختصار: التركيز عملة نادرة. واللي يعرف يضبط نفسه، ويهدّي خطاه، هو اللي يوصل بعيد. خلك بارد… علشان تبرد نار التشتت اللي جواك. ولا تنسى: الطيّارة ما تقلع بثواني، بس لما تقلع؟ تعانق السماء.