أحمد الخطيب

هل يكفي أن نفتح مشروعًا فقط لأن الفكرة أعجبتنا؟ هل يكفي أن نحب القهوة كي نفتح مقهى؟ أو نحب الأكل كي ندير مطعمًا؟ الحقيقة أن السوق لا يحابي أحد. السوق عقلاني، لا يتأثر بالحماس، ولا يرحم العشوائية.

في بداياتي وأول ما اتعلمت التسويق عام ٢٠١٧، كنت أعتقد إن التميز يكفي. إن الجودة تتحدث عن نفسها، وإن العميل راح يكتشفك لحاله. لكن مع الوقت، فهمت إن السوق يُدرس… مثل ما تُدرس الخريطة قبل الرحلة.

خلني أحكي لك عن تجربة ميدانية علّمتني هذا الدرس: أحد المقاهي اللي اشتغلت عليه كان مشهور وناجح جدًا. لكن مرّ عليه وقت صعب… انخفاض في المبيعات، تراجع في السمعة، والمالك اضطر يبيع. المُشتري الجديد تواصل معي وقال: "أبي أنقذ المقهى، وش نبدأ؟" قلت له: نبدأ بدراسة السوق.

أطلقنا دراسة رقمية وميدانية على ثلاث محاور: ١. المقهى نفسه. ٢. المنافسين. ٣. سلوك العملاء والظروف الاقتصادية.

النتائج؟ كانت مؤلمة… لكن صادقة، ما يحتاج نتكلم عن الخارج، الداخل يكفي:

• الجودة منخفضة مقارنة بالسعر والمنافسين.

• وقت الانتظار على كوب قهوة يتجاوز ٢٠ دقيقة.

• طاقم العمل محبط، والتعامل مع الزبائن بارد.

• طعم القهوة سيء… حرفيًا.

ومن خلف هالمشاكل، ظهرت الأسباب: مدير بسياسات تقشفية: مواد خام سيئة. صيانة موقوفة. فلاتر مياه خربانة زادت الملوحة، وأثّرت على الطعم. وماكينة التقطير الآلي تعطلت بسبب الملوحة أيضاً، وصار الباريستا يشتغل يدويًا بماء مالح، وبمزاج متوتر. ومع أول جلسة مع المدير قال: "خلي الزباين يحمدوا ربهم، كذا وكثير عليهم بعد"

بيئة المكان؟ خانقة. حتى دورات المياه كانت مغلقة.

حلينا المشاكل، وحدة وحدة. رفعنا الجودة، فعلّنا الصيانة، طوّرنا تجربة الموظف، رجعنا نراقب المكونات والمذاق، ورتبنا الأولويات.

النتيجة؟ من متوسط 12 فاتورة يومياً، إلى متوسط 47 فاتورة يومياً وهذا قبل ما نسمي بالله ونبدأ حملات التسويق. مع التسويق ؟ وصلنا لمتوسط 71 فاتورة في أيام وسط الأسبوع.

وش تعلمت؟ إنه ما فيه خطة تسويق تنجح بدون دراسة سوق. ما فيه براند يعيش على الماضي. وما فيه مشروع ينجو بالحدس.

الدرس باختصار:
ادرس السوق. ادرس عميلك. ادرس منافسك. وقبل لا تبيع، تأكد إنك تفهم وين واقف. السوق ما يسامح اللي يغامر وهو مغمض.