أحمد الخطيب

من علّمنا أن الإنجازات العظيمة تبدأ بدويّ وانفجار؟ من أوهمنا أن التغيير لا يُحسب إلا إذا زلزل الأرض تحت أقدامنا؟ هذا المقال رسالة… لي ولك، ولكل شخص يشعر أن خطواته الصغيرة لا تصنع فرقًا.

خلّني أحكي لك: ما فيه يوم صحيت فيه فجأة صرت بارع. ولا فيه لحظة واحدة انقلبت حياتي فيها رأسًا على عقب. اللي صار؟ سلسلة أيام، فيها تعب، فيها ملل، فيها محاولات كثيرة جدًا… معظمها ما ينشاف.

كنت أشتغل كل يوم على شيء بسيط. أكتب فكرة، أراجع تصميم، أقرأ عن سلوك المستهلك، أتابع حساب منافس. أشياء ما تستاهل تغريدة حتى… لكنها تراكمت. وكل يوم أضفت حصاة، وكل أسبوع بنَيت طبقة. ومع نهاية السنة… صار عندي جبل.

الناس تشوف الجبل وتنبهر، بس قليل من يوقف ويتأمل كم حصاة شكّلته.

عمرك سمعت عن النمو التراكمي ؟ بغض النظر سمعت فيه زو لا ولكن أنا بصراحة شخص مهووس بالشطرنج، والشطرنج أظن انها أكبر مثال على النمو التراكمي، ليش ؟ الشطرنج فيها ٦٤ مربع، وبعد أول نقلة يلعبها الأبيض، يصير فيه ٤٠٠ خط محتمل (سلسلة نقلات)، وبعد الحركة الثانية يصير عندنا ٨٩٠٢ خط، أما بعد الثالثة ١٩٧،٧٤٢ خط محتمل، كل هذا من ٣ نقلات بس !

مثال ثاني من لعبتي المفضلة، لو حطينا حبة رز في أول مربع على رقعة الشطرنج وضاعفناه كل يوم على المربع اللي بعده، تتوقع كم بيكون عدد حبات الرز في المربع ٦٤ ؟ العدد ١٨ ! نعم ١٨… لكن بعدها ١٨ صفر، يعني ١٨ كوانتيليوم حبة رز ! متخيل قوة الأثر التراكمي ؟

مرة قرأت مقولة في تقول: "النجاح لا يحدث بحركة واحدة، بل بمجموعة من العادات الصغيرة اليومية اللي تستمر عليها." وهالكلام صدقته يوم شفت أثر التفاصيل اللي كنت أحسبها تافهة.

كل مرة قررت أرسل إيميل لعميل حتى وقلبي يقول ما راح يرد. كل مرة عدّلت عرض تقديمي عشانه بس شوي ناقص. كل مرة خططت أسبوعي وأنا حاس إنه ما راح ألتزم وفعلاً ما التزم إلا بنسبة قليلة ٣٠٪ أو ٤٠٪ ؟. كلها كانت حصى… والحصى تتراكم.

الاستمرارية ما هي فكرة رومانسية. الاستمرارية مؤلمة، مملة، ومجهِدة أحيانًا. لكنها الصمغ اللي يربط النجاح ببعضه. الاستمرارية تعني إنك تثق إن الشغل البسيط اللي تسويه اليوم، بيصنع مستقبل باهر حتى لو ما بان اليوم، الاستمرارية تعني انك كل يوم تحاول تعطي اللي تقدر عليه وما توقف حتى لو كان سيء، انك تحقق ١٠٪ من اللي كنت مخططله لليوم الفلاني أفضل من انك ما تحقق شيء.

لا تحقرن صغيرةً. البداية ما عمرها كانت بانفجار. البداية تكون بنية، بفكرة، بخطوة وحدة. أكتب صفحة، مارس ربع ساعة، طوّر مهارة، تعلّم مصطلح جديد… وكرر.

الدرس باختصار:
ما فيه جبل انبنى في يوم. وما فيه نجاح طاح من السماء. اللي يصنع الفرق مو الخطوة الجبّارة، بل الخطوة الصغيرة… اللي تتكرر. إذا مشيت كل يوم ولو شبر، فإنت تسبق اللي ينتظر القفزة العظيمة وهو جالس.