هل أتبعك على أن تعلّمني مما علّمت رشدا؟

أليس غريبًا أن نطالب غيرنا بالتواضع، بينما نحن نرفض أن نتعلّم؟

٢٠ ذو الحجة ١٤٤٦ هـ

التنمية الذاتية

أليس غريبًا أن نطالب غيرنا بالتواضع، بينما نحن نرفض أن نتعلّم؟ أليس مؤلمًا أن نرى البعض يظن أن اعترافه بالحاجة للعلم يُنقص من قدره؟

قصة موسى والخضر ما كانت مجرّد حكاية. كانت درسًا عميقًا في كسر الغرور العلمي. نبيّ، برسالة، وبمعجزات، يطلب بكل تواضع: "هل أتبعك على أن تعلّمني مما علّمت رشدا؟" سؤال خلده التاريخ، لأنه اختصر فلسفة التعلّم كلها.

ماراح أتهم، بل راح أقيس على نفسي: أنا شخصيًا مريت بمراحل كنت أظن فيها إن عندي خبرة كافية. أنجزت، جرّبت، قرأت، قدّمت استشارات، وأحسّ إني وصلت لمرحلة أقدر أعلّم غيري. لكن الحقيقة؟ كل مرة جلست مع شخص اتعرف عليه جديد، يطلع عنده فكرة ما خطرت في بالي، أو معلومة جديدة ما كنت أعرفها… مو شرط بالعمل حتى بالحياة بشكل عام. كل موقف جديد كان يحمل درس جديد… وكل شعور بالاكتمال، كان ينهار مع أول تجربة تخالف ظنوني.

بعض الناس، ما يرفض التعلّم علنًا، لكنه داخليًا حاط ألف حاجز وحاجز. يشوف السؤال ضعف، ويشوف الجلوس مع شخص من وجهة نظره "أقل منه" مضيعة وقت. بس الواقع؟ الجهل مو في السؤال، الجهل في ظنّك إنك ما تحتاج تسأل، وأنك وصلت.

أذكر مرة كنت في نقاش مع متطوع زميل لي بأحد المشاريع في الكلية. كنت أتوقع إني أنا اللي بعطيه توجيهات، وإذا فيه أحد بيفيد الثاني فهو أنا كوني أصلاً مختص تسويق. لكنه قال جملة واحدة غيّرت طريقة تفكيري في طرح العروض وإقناع المستمعين. جملة عابرة، من شخص كنت أشوفه أقل خبرة مني.

وهنا تعلّمت. تعلّمت إن العلم ما له شكل واحد، ولا مصدر واحد. تعلّمت إن الكبر مو بس في المشية والصوت العالي… أحيانًا يكون في الصمت المتعجرف والاعتداد بالرأي والمعلومة، حتى لو كانت غلط.

اللحظة اللي تقول فيها "أنا ما عد أحتاج أتعلم"، هي اللحظة اللي تبدأ فيها رحلتك للسقوط… سقوط ناعم، بطيء، بس أكيد.


وكل عام وانتم بخير جميعاً، أعرف معايدتي متأخرة لكني تأخرت في كتابة مقال الأسبوع مو لأني مشغول بل لأني كنت مستمتع في ممارسة أنشطة جديدة خلال إجازة العيد "نصيحة: حاولو تجربو شيء جديد كل مرة"