هل التوسع دائماً هو الخيار الصائب؟

في عالم الأحلام الوردية، يسعى الجميع لبناء شركات خارقة وأفرع كثيرة يفتتحونها بعد أن ينزلو من سيارتهم الفيراري وبدلاتهم الأنيقة، ولكن ماذا عن الواقع ؟

٢٣ شعبان ١٤٤٦ هـ

ريادة الأعمال

من أوهمنا أن النمو دائماً إيجابي ؟ من قال إن التوسع هو علامة النجاح لا محالة ؟ من الذي زرع تلك الفكرة الباهتة العارية عن الصحة بأن النجاح يقاس بعدد الموظفين والأفرع والانتشار حول المدن وبلاد الله الواسعة ؟

أنا الآن أكتب لأطرح وأناقش فكرة واحدة "هل النجاح يقاس بعدد الأبواب التي طرقناها أم بجودة الأبواب التي فتحت لنا" ولأناقض الفكر السائد الذي يقول بأن التوسع يجب أن يكون أفقياً. وسأستهل المقال بمشاركة دراسة أطلقتها ذا ستارتب جينوم بروجكت: ٧٤٪ من الشركات الناشئة تفشل بسبب النمو السريع. ليس بسبب ضعف المنتج، ولا بضعف التسويق… بل لأنهم خالفو مقولة آبائنا "لا تكبر اللقمة عشان لا تغص فيها".

فرعٌ يليه فرع، وحسابات تكبر، موظفين أكثر والأرقامهم يبدوا أنها في ازدياد… لكن الحقيقة المرة وكما يقولون "الشيطان يكمن في التفاصيل" والتفاصيل هنا عزيزي القارئ أن التجربة تتدهور، فيصبح العميل الذي أحب العلامة لتجربته القريبة معها، يرى أنها غابت وبعُدت كما تبعد الشمس عند الغروب.

عند التوسع يفكر أصحاب الأعمال وصناع القرار بالأنظمة والعمليات وينسون اللبنة الأهم في المشروع "العميل"، العميل ياعزيزي لا يهمه كم فرعاً تمتلك وكم عدد موظفيك ومدى براعتك في بناء الأنظمة والعمليات، العميل لا يرى، بل يشعر. هذا ما يميزك عن الذكاء الاصطناعي والروبوتات يا عزيزي "الإنسان".

عند التوسع قبل كل شيء فكر فيما يحتاجه العميل من الأساس، هل يحتاج أفرعاً أكثر ومنتجاتٍ أكثر ؟ أم أنه يحتاج إتقاناً أكثر ؟.
التوسع ليس بالضرورة أن يكون أفقياً بزيادة الزعداد الفارغة، بل قد يكون رأسياً بزيادة الإتقان فيما نملك ومواكبة تطلعات العميل، بل أن نسبقها حتى !.

التوسع يحتاج شروط:

- الحفاظ على التجربة والقرب أكثر وأكثر من العميل: بعض العلامات التجارية تظن أنها في تواصلها مع العميل عند التوسع يجب أن ترتدي عبائة الاحترافية البحتة ونزع عبائة القرب والتواصل الاإنساني فيصبح العميل وكأنه يتعامل مع جماداتٍ لم يكن يألفها من قبل

- أن يبقى جوهر العلامة ثابتاً ولا يتغير: لنكون واقعيين الأغلبية العظمى من الأعمال التجارية القائمة ليست مبتكرة بنسبة 100% وهذا يعني أن هناك الآلاف والملايين ممن يقدمون نفس الخدمة أو المنتج الذي تقدمه، فلماذا يختارك العميل أنت ؟ ببساطة لجوهر علامتك التجارية. فحافظ عليه

- حافظ على ثقافة فريقك: فريق صغير يعني تواصل أقرب وعلاقات إنسانية واضحة وتقدير أعلى للعمل، ولكن ما إن تبدأ عمليات التوسع ويبدأ الموظف يشعر بفقدان القيمة وتحوله من مؤثر إلى أداة يبدأ العقد بالانفراط وتذهب الثقافة أدراج الرياح.


الدرس باختصار: التوسع ليس هدفاً بحد ذاته. هو نتيجة طبيعية لبناء داخلي متين. وإذا خذلت الداخل… الخارج لن يصمد كثيراً.