التسويق: الابن البار للاستراتيجية

هل تبنى العلامة الناجحة على مكتب مدير التسويق ؟ ومن أكثر المؤثرين والمتأثرين باستراتيجية العلامة ؟

٢٤ صفر ١٤٤٧ هـ

أبعاد استراتيجية

عند العودة إلى أصل علم العلامة والتسويق نكتشف أنهما من أحدث العلوم الإدارية. فالتسويق كان مجرد ممارسات مبعثرة قبل أن يأتي الأب الروحي للتسويق "فيليب كوتلر" في الستينيات ويضع له إطاراً علمياً مستقلاً.

أما العلامة، فقد بدأت ملامحها في ثلاثينيات القرن الماضي عندما ابتكرت P&G مسمى "مدير العلامة" لإدارة كل منتج ووضع الخطة الإعلانية له بشكل منفصل. بعد ذلك ظهر "إدوارد بيرنيز" ابن أخت مؤسس علم النفس الحديث "سيغموند فرويد"، ليقوم بتوظيف علم النفس والسلوك الإنساني في السياق الإعلامي وصاغ مفهوم "الصورة الذهنية" في كتابه هندسة القبول (1947)، ليكون مرجعاً لرموز التسويق مثل أوجلفي وكوتلر في وضع العلامة في السياق التسويقي. جميع هذه المجهودات قادت لاستخدام مصطلح "استراتيجية العلامة التجارية" لأول مرة مع كوكاكولا في الثمانينيات اللي كانت أول شركة تبني اسراتيجية لعلامتها التجارية، وبعد ذلك طورت ماكينزي أدوات لتضمين استراتيجية العلامة التجارية ضمن استراتيجية القيادة العليا، حتى أصبحت في التسعينيات خدمة مستقلة تقدمها وكالات التسويق.

لكن لماذا هذه المقدمة؟ لأن كثيراً من الخبراء لا يزالون يختزلون العلامة في تعريف قديم ظهر قبل عقود قاربت أن تصبح قرناً من الزمان "مجموعة من المشاعر والأحاسيس التي تهدف لبناء صورة ذهنية"، ويلصقون مسؤولية تطويرها بقسم التسويق وحده، وهو خطأ شائع للأسف.

ما هي العلامة التجارية؟

العلامة التجارية واستراتيجيتها هي "أسلوب حياة" للعمل التجاري، جوهره وعقله، وليست مجرد صورة ذهنية. إنها المحرك الأساسي والمنارة الأم لعجلة صناعة القرارات اليومية أو الاستراتيجية، من أصغر موظف إلى رأس السلطة التنفيذية. العلامة قد تكون سياسية أو اقتصادية أو شخصية، لا فرق في الأسس. ولهذا أرفض اختزالها كوظيفة تسويقية بحتة.

من المسؤول عن بناء العلامة؟

ليست مسؤولية التسويق أو المبيعات أو التشغيل أو غريها من الأقسام… المسؤول هو القائد الأعلى الذي يوجه كل الأقسام للمشاركة في صياغتها. فإذا لم يكن هناك قائد يؤمن بأهمية العلامة التجارية فلو قام كُل فرد في الشركة ببناء 10 استراتيجيات متقنة فلن يفلح في تطبيقها ما دام صانع القرار الأول يمشي في تيارات معاكسة لها، وهذا ما يثبت أن العلامة التجارية لا تبنى على مكتب مدير التسويق بل في قلب صاحب القرار.

لماذا التسويق الابن البار للاستراتيجية؟

قسم التسويق ليس الجهة المسؤولة عن صياغة الاستراتيجية، لكنه الأكثر تأثراً بها والأقدر على تجسيدها. فالتسويق هو الذراع التنفيذي الذي ينقل ما تضعه القيادة العليا من رؤى وتوجهات إلى رسائل واضحة ونقاط تماس يراها العميل يومياً. ومن هنا يصبح هو الابن البار للاستراتيجية، لأنه يترجمها عملياً ويظهرها للناس.

كما أن التسويق هو القسم الأكثر تأثراً بغياب الاستراتيجية؛ فبينما قد تستمر الأقسام الأخرى في عملها الروتيني مع وضوح المخرجات (التشغيل = منتج) (الموارد البشرية = موظفين) (المالية = تتبع المصاريف والمدخولات والموازنات)، يواجه فريق التسويق السوق مباشرة ويتحمل عبء الوعود التي تقدمها الشركة. فإذا كانت هذه الوعود مضطربة أو المنتجات بعيدة عن الواقع بسبب غياب استراتيجية العلامة التجارية فلن يستطيع تحقيق مهمته الأساسية في بناء السمعة وتحقيق المبيعات. ولهذا يُقال إن قوة التسويق من قوة الاستراتيجية، وضعفه انعكاس لغيابها.

الخلاصة

التسويق ليس المسؤول الأول عن الاستراتيجية ولكنه الابن البار لها كونه أكثر المؤثرين والمتأثرين بها.