لا تحقرن صغيرةً إن الجبال من الحصى

هل العظماء ولدوا عظماء حقاً ؟ وهل الإنجازات العظيمة كانت وليدة اللحظة ؟

٩ شعبان ١٤٤٦ هـ

التنمية الذاتية

من علّمنا أن الإنجازات العظيمة تبدأ بدويّ وانفجار؟ من أوهمنا أن التغيير لا يُحسب إلا إذا زلزل الأرض تحت أقدامنا؟

انظر إلى العظماء كياناتٍ كانو أو أفراد، هل ترى منهم من أصبح عظيما في ليلة واحدة ؟ هل هناك من قفز قفزته الكبيرة مرة واحدة ؟
عندما نبحث في سير العظماء نجد أن ما بنى عظمتهم هو أمرٌ واحد "تراكمية الأفعال".

تراكمية الأفعال تعني حتمية النتائج. أتذكر عندما كُنا صغاراً نشاهد تلك الصخرة التي كانت قابعةً أسفل صنبور مياهٍ يقطر عليها بضع قطراتٍ كل يوم ؟ أتذكر كيف أصبح شكل الصخرة أسفله ؟

أما عن العنوان عزيزي القارئ سمعته في إحدى المرات في خطبة الجمعة، كان السياق يتحدث عن العبادات ولكن يبقى للعبادات مفاهيم يمكننا تطبيقها في جميع جوانب الحياة، فبقياس المقولة "لا تحقرن صغيرةً إن الجبال من الحصى" نجد أن هذه العبارة تلفتنا لواقعنا اليوم.

ندخل مواقع التواصل الاجتماعي فنرى فلاناً في مدينة كذا وفلاناً اشترى منزلاً مطلاً على كذا وكذا وعلاناً قد اكتنز كذا وكذا مليون، نحن يا عزيزي ننظر لقمة الجبل الذي بناه هؤلاء متناسين الحصوات الصغيرة التي جمعوها على مدى السنين، نقارن بداياتنا بخواتيم قصصهم ونطالب بأن نصبح مثلهم اليوم واليوم فقط.
بات بنو قومنا يا عزيزي يتقاعسون ويبحثون عن الأوهام كذاك الذي يتوه في الصحراء يبحث عن سراب الواحة الخضراء التي ستبلل شفاهه وتَأدُ جوع بطنه، فيظل يمشي هائماً خلفها على وجهه بدلاً من أن يصطبر ويبحث عن سبيل عودته.

الاستمرارية ليست تلك الفكرة رومانسية. الاستمرارية مؤلمة، مملة، ومجهِدة. لكنها أشبه بالقلم الذي يربط النجاح ببعضه. الاستمرارية تعني تمام ثقتك بالله عز وجل ثم بأن سعيك اليوم هو ما سيصنع مستقبلك الباهر ولو بعد حين، الاستمرارية لا تعني الكمال ولا تعني بالضرورة صحة النتائج، الاستمرارية تعني السعي والصبر على الأخطاء وقسوتها على الذات بهدف الوصول، وتذكر أن تحقيق ١٠٪ من خطةٍ رسمتها في مخيلتك خرٌ من عدم تحقيق شيء.

الدرس باختصار:
سور الصين العظيم يُقطع بصعود درجاتٍ صغيرة، وخطط الله لك خيرٌ مما خططت، وما علينا إلا السعي والاستمرار.