ليش أبطأت وتيرة قراءتي عنوة؟
رحلة طويلة مع عسر ليس بهضمي، ولكنه عسر القراءة
١٥ رمضان ١٤٤٦ هـ
•
فصول من حياتي

هل صدق من قال أن الكم يغلب الجودة ؟
سامحوني إن أكثرت في هذا المقال الحديث عن نفسي ولكني هنا أشرح تجربةً شخصيةً بحتة وأستخلص منها الفرائد والعبر، ولا أكتب لداعي الفخر والتعالي وتفخيم الذات وأعوذ بالله من ذلك، ولكن لتعم الفائدة ولأتعلم أنا مما مررت به وأتطور
لنعد إلى الوراء عندما كنت في وقت ما ألتهم الكتب التهامًا، وتحديداً عندما كنت في المرحلة المتوسطة حيث بدأ شبقي للمعرفة يزداد وقرائتي للكتب تسرقني - ولو أن أغلبها كان من الروايات - وتطورت محبة القراءة مع مرور الزمن وزيادة النضج وبلغت أوجها في فترة كورونا وما بعدها، كنت أقرأ خمسة كتب أو أكثر بالشهر. شعور الإنجاز، وتكدس العناوين، كان يغذّي فيني وهم التقدم. والإحساس بالتميز والارتفاع شيئاً فشيئاً عن القاعدة المعرفية العامة إلى قاعدة معرفية أعمق، ولكن حقٌ على الله ما ارتفع شيءٌ إلا خفضه، وأحمد الله على رحمته بي بأن خفضني من أبراج الوهم التي كنت أعتليها.
جاء عام 2022، يرافقه فتورٌ غريب. فتورٌ على صعيد المعرفة ككل، همود وهدوء وكتب تتكدس ودورات تعليمية تجمع في حساباتي على المنصات دون أي تقدُمٍ يذكر، تحول الوضع من النهم الشديد إلى النفور العظيم، ومن قراءة 5 كتب وأكثر ومطالعة العديد من الدورات وتعلم المهارات إلى عسرٍ ليس بهضمي، وإنما عسرٌ معرفي وجمود.
كانت تلك الفترة بمثابة الصفعة التي أفاقتني ودعتني مجبراً غير مخير للجلوس على طاولة التأمل وسبر أغوار الركود المهيب، واكتشفت أنني كنت أقرأ لمجرد القراءة، لأكدس الكتب التي انتهيت منها وأقف أمام برج كتبٍ يضاهي طوله طولي وأشعر بلذة الإنجاز، كنت أقيس تقدمي بالكم وليس بالجودة، أقرأ الكتب أياً كانت ولا أهتم، لن أقول أن هذا أمرٌ سيءٌ جداً ولكنه بالطبع لن يكون بأفضل من الإتقان والتركيز والقرائة بجودة وفهم عميق. الخلاصة أنني عدت للقراءة ولكن مع تقليل وتيرتها وتغيير الهدف الأساسي منها كسلوك، من القراءة لمجرد القراءة إلى القراءة لإشباع نهم المعرفة وإتقان المهارات.
إضافةً لذلك قمت بربطها ببعض الطقوس الخاصة: بكور الصباح مع كوب قهوة مقطرة أستمتع بتحضيرها يدوياً وموسيقى الجاز الهادئة تختلط بأصوات المطر - أصوات اصطناعية - بالإضافة لتخصيص ركن ثابت للقراءة والتأمل.
أصبحت هذه الطقوس لا تعود علي بالمنافع المعرفية فقط، بل تحدد جودة يومي وصفاء ذهني، وتعينني علي التخلص من ضغوط الحياة والعمل وأصبحت أكثر تحمساً للقراءة واستخلاص المعارف من الكتب لأمر بشعور السلام النفسي وحالة التركيز الفائق أثناء مزاولة هذه الطقوس. تحولت من قارئ نهم إلى قارئ هادئ يركز على الجودة بدلاً من الكم ويستخلص لذته من عملية القراءة والتعلم ذاتها وليس من أعداد الكتب وصفحاتها.
هذا هو ملخص رحلتي من 5 كتبٍ وما يزيد عليها كل شهر، إلى كتاب واحد كل شهر أو شهرين أستمتع بقرائته واستخلاص معارفه. والتي ساهمت في بناء عمق ووعي فكري أكبر لدي على الصعيد الشخصي والمهني ولله الحمد.
الدرس باختصار: الجودة تتفوق على الكم.